حكي عن أبي عمرو أنه قرأ " يأمركم " بالسكون , وحذف الضمة من الراء لثقلها . قال أبو العباس المبرد : لا يجوز هذا لأن الراء حرف الإعراب , وإنما الصحيح عن أبي عمرو أنه كان يختلس الحركة . " أن تذبحوا " في موضع نصب بـ " يأمركم " أي بأن تذبحوا . " بقرة " نصب بـ " تذبحوا " . وقد تقدم معنى الذبح فلا معنى لإعادته . " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " مقدم في التلاوة وقوله " قتلتم نفسا " مقدم في المعنى على جميع ما ابتدأ به من شأن البقرة . ويجوز أن يكون قوله : " قتلتم " في النزول مقدما , والأمر بالذبح مؤخرا . ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها , فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها ثم وقع ما وقع في أمر القتل , فأمروا أن يضربوه ببعضها , ويكون " وإذ قتلتم " مقدما في المعنى على القول الأول حسب ما ذكرنا ; لأن الواو لا توجب الترتيب . ونظيره في التنزيل في قصة نوح بعد ذكر الطوفان وانقضائه في قوله : " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين " إلى قوله " إلا قليل " [ هود : 40 ] . فذكر إهلاك من هلك منهم ثم عطف عليه بقوله : " وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها " [ هود : 41 ] . فذكر الركوب متأخرا في الخطاب , ومعلوم أن ركوبهم كان قبل الهلاك . وكذلك قوله تعالى : " الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما " [ هود : 19 ] . وتقديره : أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا , ومثله في القرآن كثير . لا خلاف بين العلماء أن الذبح أولى في الغنم , والنحر أولى في الإبل , والتخير في البقر . وقيل : الذبح أولى ; لأنه الذي ذكره الله , ولقرب المنحر من المذبح . قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا حرم أكل ما نحر مما يذبح , أو ذبح مما ينحر . وكره مالك ذلك . وقد يكره المرء الشيء ولا يحرمه . وسيأتي في سورة " المائدة " أحكام الذبح والذابح وشرائطهما عند قوله تعالى : " إلا ما ذكيتم " [ المائدة : 3 ] مستوفى إن شاء الله تعالى . قال الماوردي : وإنما أمروا والله أعلم بذبح بقرة دون غيرها ; لأنها من جنس ما عبدوه من العجل ليهون عندهم ما كان يرونه من تعظيمه , وليعلم بإجابتهم ما كان في نفوسهم من عبادته . وهذا المعنى علة في ذبح البقرة , وليس بعلة في جواب السائل , ولكن المعنى فيه أن يحيا القتيل بقتل حي , فيكون أظهر لقدرته في اختراع الأشياء من أضدادها . " بقرة " البقرة اسم للأنثى , والثور اسم للذكر مثل ناقة وجمل وامرأة ورجل . وقيل : البقرة واحد البقر , الأنثى والذكر سواء . وأصله من قولك : بقر بطنه , أي شقه , فالبقرة تشق الأرض بالحرث وتثيره . ومنه الباقر لأبي جعفر محمد بن علي زين العابدين ; لأنه بقر العلم وعرف أصله , أي شقه . والبقيرة : ثوب يشق فتلقيه المرأة في عنقها من غير كمين . وفي حديث ابن عباس في شأن الهدهد ( فبقر الأرض ) . قال شمر : بقر نظر موضع الماء , فرأى الماء تحت الأرض . قال الأزهري : البقر اسم للجنس وجمعه باقر . ابن عرفة : يقال بقير وباقر وبيقور . وقرأ عكرمة وابن يعمر " إن الباقر " . والثور : واحد الثيران . والثور : السيد من الرجال . والثور القطعة من الأقط . والثور : الطحلب وثور جبل . وثور : قبيلة من العرب . وفي الحديث : ( ووقت العشاء ما لم يغب ثور الشفق ) يعني انتشاره , يقال : ثار يثور ثورا وثورانا إذا انتشر في الأفق وفي الحديث : ( من أراد العلم فليثور القرآن ) . قال شمر : تثوير القرآن قراءته ومفاتشة العلماء به .